حضور الناس وانتظارهم شهود الجنازة وتعزية أهل الميت في المقبرة لا شيء فيه؛ بل هو من أعمال البر التي يثاب فاعلها، وقد سبق بيان جواز التعزية في المقابر مفصلا في جواب رقم: (88141)، فيرجع إليه.
وإذا جاز هذا الفعل فإن التبرع بالكراسي والبرادات لهذه الأماكن التي يتنظر فيها الناس حضور الجنازة، وتأدية العزاء: نوع من البر، وسواء كان القصد من ذلك الرفق بالزائرين، أو بالعمال الذين يعملون في المقابر، أو من سواهم؛ فكله من البر والقصد الحسن، إن شاء الله. والوقف على بر محل اتفاق بين أهل العلم.
قال الشيخ ابن حبرين رحمه الله:
"يستنكر بعض الناس توزيع المياه داخل المقبرة، ولا أرى سببا موجبا لهذا الاستنكار، فالذين يحضرون كراتين المياه، ويوزعونها على المشيعين: قصدوا بذلك تخفيف الظمأ والمشقة على الذين حضروا، ولهم أجر على ذلك وليس فيه محظور، ولا مانع من الصدقة أو من التوسعة داخل سور المقبرة، ونعلم أنهم لا يعتقدون أن الأموات يشفعون لهم، أو يطلبون منهم مضاعفة الصدقة، وأن الصلاة عند القبور ورد النهي عنها مخافة اعتقاد فضلها على الصلاة في المساجد، أو اعتقاد شفاعة الأموات في قبول تلك الصلوات.
فلا ينكر على من أحضر المياه ووزعها على المشيعين سيما في أيام الحر الشديد، فهو يخفف عنهم الظمأ.
وأما جعل البرادات في أسوار المقابر يشرب منها من بداخل السور أو خارجه: فلا مانع من ذلك، ولمن فعلها أجر، كأجرها في داخل المساجد وأجرها في الأسواق والطرق في تخفيف الظمأ عن المسلمين" انتهى
وفي الحديث أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ َسُئل: "أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْجَبُ إِلَيْكَ؟" قَالَ: (الْمَاءُ) رواه أبو داود (1679)، وحسنه الالباني.
أما إن كان الوقف على السرادقات التي يتجمع فيها الناس لما يسمى مجالس العزاء التي يحضرها القراء، وتقام فيها الولائم: فالوقف عليها لا يصح لعدم مشروعيتها كما سبق بيانه في الفتوى: (215016)، وكل أمر غير مشروع، فلا يجوز الوقف عليه أو التصدق له.
قال ابن القيم رحمه الله: "فإن الوقف لا يصح إلا في قربة وطاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يصح الوقف على مشهد، ولا قبر يُسرج عليه، ويعظم، وينذر له، ويحج إليه، ويعبد من دون الله، ويتخذ وثنا من دونه، وهذا مما لا يخالف فيه أحد من أئمة الإسلام ومن اتبع سبيلهم" انتهى من " زاد المعاد" (3/507).
والله أعلم.